الأحد، 9 مارس 2014

عيد المرأة والرياء الذكوري!


أيوم عيد لمن هي  كل العيد؟
أيّ رياء ذكوري ؟!
يمْنحها يوما من العام
ويحتفظ له ببقية العام!
يلاطفها يوما
ويلعنها، إلاّ يوما، كل العام
أيّ رياء ذكوري؟!
أبتكر عيدا يُلهيها عن عبوديّـتها
يوماً للأحتفال
وبقية العام للأمتثال!

   حسب الويكيبيديا فإنّ المناسبة تعود الى عام (1857) و8 آذار (1908) وشعار ((خبز وورود))، بدأت بأحتجاج النساء العاملات في سبيل حقوقهن الأجتماعية ثم السياسية في نيويورك فأوربا، وصولا الى عام (1977) حيث تبنّت الأمم المتحدة قرارا باختيار يوم عالمي للاحتفال بيوم للمرأة، فأختارت الدول يوم 8 آذار من كل عام لهذه المناسبة.

   في أواخر العهد البابلي القديم (1400-1500) ق.م تاريخ اخر تدوين لملحمة الخلق البابلية إينوما إليتش (حينما في العلى) (طه باقر،مقدمة في ادب العراق القديم)، تكمن أهمية الملحمة في رأيي بتسليط الضوء على العلاقة بين الرجل والمرأة من الناحية التاريخية، باعتبارها أقدم نص أسطوري مدوّن ومعروف حتى اليوم وما يهمني فيه هو العلاقة بين الرجل والمرأة (وهي تحوي كذلك أصول القصص الدينية). والتاريخ أعلاه هو تاريخ اخر تدوين لها، أي أنها تعود الى ماض اقدم من ذلك بكثير حينما لم يكن للإنسان طريقة تدوين أو كتابة وأنمّا كان النقل من جيل الى آخر يعتمد المرويات الشفاهية اعتمادا على ذاكرة الأفراد، وهذا يجعلها عرضة لكل أشكال الحذف والأضافة والتحوير..إلخ
 إنّ الأسطورة تتحدث عن زمن قديم كانت فيه الحياة الأجتماعية مشتركة على قدم المساواة بين الرجل (الإله أبسو) والمرأة (الإلاهة تيامات) وأبنائهما (بقية الآلهة الأقل شأنا)، وقد كان القوم يتصورون آلهتهم كأنعكاس ما لصور الطبيعة ولحياتهم الأجتماعية، وفي خلاف حول مصير الآلهة الصغار كان القرار لتيامات بعد حجب سلطة أبسو. إنّ الأسطورة تتحدث عن اضطراب ما طرأ على مجمل العلاقات بين الآلهة وتحول الى صراعات حافلة بالمؤامرات (وهو ما يمكن النظر إليه على ان تغيرا أجتماعيا مهمَّاً قد حدث مما غيّر من شكل العلاقات الإنسانية وبالتالي صورة العلاقات الإلهية القديمة المستقرة وأشاع الاضطراب فيها)، وقد أنقسمت الآلهة الى معسكرين وحسمت أمرها لخوض المعركة الكبرى، فكان الفريق الأول بقيادة تيامات (ويصفها طه باقر بالآلهة القديمة)، والفريق المقابل (والذي يصفه طه باقر بالجيل الجديد من الآلهة) كان محتاراً ومترددا حول القيادة، الى أن استقر الأمر الى اختيار (مردوخ) قائدا، والذي أشترط للتصدي لهذه المهمة الخطرة أن يُفَوّض سلطات مطلقة، فكان له ما أراد، واندلعت المعركة الكبرى بضراوة وشراسة.. وقد كانت النتيجة اندحاراً مأساوياً للإلهة تيامات ( المرأة )، وأنتصاراً ساحقاً للإله مردوخ (الرجل) الذي رتب أمور الأرض والسماء وفق رؤيته مستثمراً سلطاته التي خوّلت له. والطريف بالأمر أن قارئ الأسطورة سيجد تصوير المرأة (تيامات) بصورة سلبية ومعتمة ، فيما سيجد تصويراً أيجابياً وبهياً للرجل (مردوخ)، فعلاً أن التاريخ يكتبه المنتصرون!. إن الأسطورة تبين بجلاء ووضوح شديد بشكل أسطوري بداية العصر الذكوري والسيادة الذكورية والتفكير الذكوري في التاريخ. إنّ عهداً جديداً قد بدأ وما زال مستمراً حتى اليوم هو عهد سيادة الرجل، والفكر الذكوري وإن بدرجات متفاوتة، وقد بدأت في العصر الحديث سيادة الرجل بالتراجع تدريجياً مع أتجاه التطور البشري بأتجاه المجتمعات الصناعية الحديثة، وتطور الفكر السياسي وظهور فكرة المواطن وفكرة الفرد كوحدة أساسية في تكوين المجتمعات الحديثة، وليس العائلة البطرياركية التي تشكل الوحدة الأساسية في كافة المجتمعات (الزراعية) ما قبل الصناعية، فبدء نضال الحركات النسوية الحديثة بالبروز بتطوّر ونضج الأنظمة الأجتماعية الصناعية.

    والآن لنبحث الجانب الفكري للموضوع، ولنأخذ نموذجين معاصرين لنا أحدهما من ((الغرب)) أي المجتمعات الصناعية المتطورة، والآخر من منطقتنا ولنر كيف يتم التعاطي فيهما مع موضوع العلاقة الإنسانية بين الرجل والمرأة، ومدى سطوة الفكر الذكوري فيهما جوهرياً، رغم الأختلاف الشكلي بينهما. ولنأخذ جسد المرأة معياراً كثيمة وكيف يتم التعاطي معه. إن الثقافة ((الغربية)) في شرطها الصناعي الرأسمالي الذي حوّل كل شيء في المجتمع الى سلعة خاضعة للحساب العقلاني الكمّي الذي يلبي متطلبات السوق، ولم تنجُ منظمومة القيم والثقافة من هذا الخضوع لمعايير ومتطلبات العرض والطلب للسوق. ومنها الرؤية الذكورية للمرأة بأعتبارها جسدا موّظفاً للمتعة الحسية، فأخذ الخيال الذكوري بابتكار كل أشكال تداول هذه الموضوعة (جسد المرأة) بمنطق الربح والخسارة وفق متطلبات السوق. وكان أوضح أشكال هذا التعاطي في صناعة السينما والأعلان وحتى التعبيرات الفنية خضعت لهذا المنطق كما يتجلّى في الفنون التشكيلية والأدب. وكانت هذه التشيئة للمرأة ككائن إنساني مختزلاً في صورة (جسد جميل) قابل للتسويق. إذاً سُجنت المرأة وأختزلت في صورة (جسد) عارٍ لاعتبارات العرض والطلب للسوق. ولكن ذلك لم يمنع من تحقق أنجازات هائلة للمرأة (وهذا أيضا خضع لأعتبارات السوق) بعد ان تحولت الى فرد عامل في المجتمع فحازت الكثير من الحقوق الأجتماعية والسياسية .

   أما في منطقتنا والتي ما تزال الهيمنة للصيغة البطرياركية للوجود الأجتماعي، نظرا لضعف التطور الصناعي وخضوعها لمنطق السوق العالمية باعتبارها، إما منطقة أستهلاك رئيسية أو منطقة أنتاج للطاقة (النفط ، والمواد الأولية المعدنية أوالزراعية)، وفي المجمل تخضع لمنطق الأقتصاد الريعي والخدمي (خدمات التسويق والسياحة، أي غياب الأنتاج الصناعي الفعلي)، مما استتبع أن يكون الطلب على قوة العمل في أدنى مستوياته، والضحية الرئيسية لضعف الطلب على الطاقة البشرية هي المرأة، والنشاط الثقافي هنا يكمل ويعيد انتاج ذاته في هذا الاطار العام. وبقي القسم الأعظم من النساء حبيس البيت والعائلة أو عاملات في قطاعات أنتاجية تنتمي للأشكال البطرياركية (الزراعة)، أو أعمال الخدمات والسياحة، وكل ذلك على هامش الانتاج الصناعي الحديث. في هذا الشرط الاجتماعي لن يكون للمرأة الاّ دورها ((الطبيعي!)) للإنجاب والمتعة ولن يكون بمقدورها الارتقاء الى صفة الكائن الاجتماعي الذي يتمتع بالحقوق الإنسانية المماثلة للرجل، والإحتجاج بأن هناك نساء في مجتمعاتنا متعلمات وطبيبات ومهندسات وحتى سياسيات، لن يحجب الحقيقة الناصعة حول كم هو عدد النساء اللاتي يعملن خارج البيت والحقل؟ وما هي نسبة النساء العاملات المتعلمات قياساً للنساء (العاطلات إلاّ عن مهنة الإنجاب)؟ بالتأكيد الواقع هو الذي يجيب. هناك مقولة رائعة لشارل فورييه: ((إنّ درجة تحضّر المجتمعات يقاس بمدى تحرر المرأة فيها)). إن الشروط الموضوعية لوجود مجتمعاتنا يجعل منها مرتهنة للثقافة البطرياركية المتوارثة، ومن أهم تمظهراتها هو تعاطيها مع المرأة ليس ككائن يققف ندّا للرجل بل تابعاً وموضوع استحواذ وملكية خاصة. وكل من يمتلك ((شيئاً)) لابد من أن يحافظ عليه من السرقة والضياع. فنرى الرجل عندنا يسعى جاهداً للحفاظ على ما يملك، والمرأة من مقتنياته الأكثر قدرة على المراوغة و((المكر!)) بحكم كونها كائناً حياً وليس ((شيئاً)) فحسب، والحفاظ عليها أصعب بكثير من الحفاظ على الأشياء، فأبتكر أغرب ما يخطر في البال من أساليب إقصاء الجانب ((الحي)) لهذا ((الشيء)) العصيّ على لعب وظيفة الشيء فقط، ومن ابتكارات الخيال الذكوري لرجلنا لفلفلة وتغطية المرأة بـ((السواد)) ليس حفظاً لإنسانيتها، كما يدّعي، بل طمساً وقمعاً لهذا النزوع الذى قد يبديه هذا ((الشيء)) ليكون إنسانا لا شيئاً، وهذا ما اسمّيه ((الرياء الذكوري)). والرجل إذْ يقوم بذلك يمارس فعلاً لتشيئة المرأة ولا يراها إلاّ جسداً يقوم بوظيفته ((الطبيعية!)). إن تعرية المرأة في الثقافة ((الغربية)) وتغطيتها في ثقافتنا لا يختلفان الاّ في شكل التعاطي مع المرأة، وجوهرهما واحد وهو عدم الاعتراف بوجود حقيقي للمرأة ككائن إنساني يكافئ وجود الرجل وله نفس الحقوق، إلاّ أنه هناك محكوم بمنطق السوق الرأسمالي وهنا محكوم بمنطق الأنتاج ما قبل الصناعي والوجود الأجتماعي البطرياركي. هناك عرضة للتعرية وهنا مهدّد بالحجب!، والسبب واحد في الحالين، إنّه فعل انتهاك للكائن-الأنسان بالجسد-الشيء؟! وعدم أعترافٍ بالكائن وحقوق وجوده الخاص بعيداً عن هيمنة الرجل .

   وها نحن في عالم لم يصل بعد لنظام إجتماعي متطور يمارس فيه الجميع إنسانيتهم بشكل كامل بعيداً عن الخضوع لأي شكل من أشكال الهيمنة والاستغلال. وما الأعياد التي يُحتفى بها عالمياً، يوما من كل عام، للعامل وللمرأة وللطفل.. إلخ إلاّ دليل على أنّ فئات واسعة من البشر مازالت تعاني من الاستغلال والقهر، وإنّ أنظمتنا الاجتماعية ما زالت في دائرة الظلم والعنف. وأخيرا أتمنّى للجميع أياما كلها أعياد بلا رياء! 
   

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق