الثلاثاء، 31 ديسمبر 2013

(2014) !!!


2014)!!!)


   هل تتكرّر في القرن الحادي والعشرين أحداث بدايات القرنين العشرين والتاسع عشر, لا يغيب عن الذهن تاريخ مثل 1914 أو 1814 الأول هو بداية حرب طاحنة مدمرة (الحرب العالمية الأولى) بين دول تمثل مصالح قوى إقتصادية متنافسة ومتصارعة إلى حد إزهاق ملايين الأرواح وتدمير مدن كثيرة. والتاريخ الثاني نهاية حروب أخرى طاحنة (الحروب النابليونية) بين نظام جديد بأفكاره وقيمه ينحو صوب الحداثة وبين أنظمة قديمة تريد الحفاظ على أنماط الحياة القديمة. والحربان خاضتهما أوربا الإقطاعية وهي تتجه صوب أوربا الرأسمالية، ولم يكتمل تشكّل أوربا الحديثة وتستقر، إلاّ بعد أن صفّت كل حساباتها مع أنظمتها وأنماط حياتها القديمة، بحرب أخرى هي الأفظع والأشرس في التاريخ (الحرب العالمية الثانية).
   لست ممن يعتقدون بصحة مقولة (لا جديد تحت الشمس!) ففي كل يوم، بل وفي كل ساعة، يضاف معطى جديد مما سينتج نتائج مختلفة، وعلى حد تعبير هيجل (ما كان لا يكون!)، ولكنني أرى جيداً أن البشرية لم تطوّر حتى اليوم آليات انتقال وتحول من القديم إلى الجديد بغير الحروب، فالتحوّل السلمي من حال قديم إلى حال جديد أمر لم يدركه البشر بعد!. ويبدو أن الحروب هي من طبيعة الأنظمة ومن صلب آليات التغيّر والتغيير ذاتها، فهي من نواتج وآثار المجتمعات الطبقية، والتاريخ (المدَّون) لم يعرف أنظمة حياة وتطوّر خارج هذا الأطار. والجديد الذي طرأ هو أن أوربا وما يسمّى بالعالم الغربي قد انتقلوا بصراعاتهم وحروبهم إلى مسارح وساحات منازلة أخرى خارج حدود بلدانهم السياسية. فكانت أفريقيا وأميركا الجنوبية وآسيا هي مسارح الحروب بعد الحرب العالمية الثانية، وأخذ مسرح الحروب في آسيا خاصة بالإنتقال تدريجياً من شرقها إلى غربها!. فمن حروب جنوب شرق آسيا مروراً  بوسطها عبر الهند وباكستان، ها هي اليوم تتركز في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، هذا المسرح الجديد (للحروب الجديدة) التي بدأت في منطقتنا منذ سبتمبر 2001 .
   هل العوامل الخارجية، إذاً، هي ما يشعل هذه الحروب في منطقتنا؟ هذا جزء من الحقيقة وليس الحقيقة كلها!. فالمنطقة تشهد تبلور وصعود قوى اقتصادية إقليمية متنافسة ومتناحرة إلى الحد الذي يمكن مقارنته بما حدث في أوربا خلال القرنين الماضيين من صراع بين قوى إقتصادية مثل بريطانيا وفرنسا وألمانيا.. ألخ. فالمتغيّر الجديد في المنطقة هو النمو الإقتصادي لقوى ودول إقليمية وصلت إلى مرحلة من النمو والتراكم الرأسمالي حتى درجة الصراع التناحري لبسط السيطرة والنفوذ على كامل المنطقة. فقوة اسرائيل الأقتصادية ذات الطابع التكنولوجي المتطور (وأزمة ديمقراطيتها التي طالما تغنّت بها تتجه نحو دولة دينية- مشروع يهودية دولة اسرائيل)، وقوة الصناعة التركية الناهضة (التي أغلقت أمامها السوق الأوربية)، وتراكم الرأسمال الريعي للدول المنتجة للطاقة (التي خسرت أموالاً طائلة خلال الأزمة الإقتصادية التي ضربت الولايات المتحدة منذ عام 2008 )، والقوة البشرية الديموغرافية المصرية (التي خسرت دورها كدولة رائدة في المنطقة بعد سياسة الإنفتاح في العقود الأخيرة)، ونزوع الإقتصاد الإيراني لنيل حصته من المكاسب بدعم القوة العسكرية.. فكل هذه القوى تعاني من مشاكل وأزمات داخلية وتهديدات تنافس خارجي أقليمي. إن هذه القوى الإقليمية لا تجد حلاً لمشاكلها وتطلعاتها وحسمها لصالحها بالطرق السياسية الدبلوماسية، فالتناقضات والصراعات فيما بين قواها الذاتية بمواجهة بعضها البعض وصلت حداً لا يسمح بالتعايش سلمياً، فالمجال الأقتصادي والسياسي بات أضيق من أن يتسع لهذه القوى النامية، وعادة ما تكون المجالات الأقتصادية والسياسية الحيوية ومناطق النفوذ عصيّة على القسمة على عدد كبير، فلابد من سقوط وانهيار عدد من القوى لكي يسود ويهيمن البعض الآخر.  لذا نرى أن هذه القوى قد دخلت في مرحلة اصطفافات واستقطابات ما قبل الصراع الدموي الطاحن، الذي سينفجر على شكل حروب لا تقل في بشاعتها وضراوتها عن حروب أوربا في القرنين الماضيين. وما يجري اليوم من حروب موضعية وحروب صغيرة ومحلية بالنيابة هنا وهناك، ما هي إلاّ مقدمات لمواجهة شاملة قادمة أكبر. مع التداخل مع عوامل دولية ليست بعيدة عن أزمات الأنظمة الرأسمالية العريقة وما تواجهه من مصاعب ومتاعب، جعلتها في عجز عن أن تكون هي المحدّد الحاسم لمجريات الصراع، تاركة زمام المبادرة للقوى الإقليمية، وهذا ما ظهر جليّاً مثلا في غياب التطابق التقليدي المعهود في المواقف بين الولايات المتحدة الأميركية وكل من السعودية وتركيا، مما انعكس ببروز اتجاهات ورؤى سياسية متباينة لهذه الأطراف حول صراعات وأحداث المنطقة. فالولايات المتحدة عبر إعلان اوباما بتحوّل الإستراتيجية الأميركية من الأطلسي إلى الهادي، قد رسم توجهات السياسات الأميركية المستقبلية وما تواجهه من تحديات هائلة متمثّلاً بالصعود السريع للإقتصاد الصيني، وما يمثّله من تحدٍّ مصيري للمصالح الإقتصادية الأميركية، يدفعها لتكريس جهدها الأستراتيجي لمعالجة هذا المنافس المهدّد، ممّا يفسح المجال للقوى الإقليمية للعب دور أكثر استقلالية لرسم سياسات المنطقة، مع عودة خجولة للدور الأوربي الذي غاب طويلاً عن المنطقة.
   لا عاقل أو إنسان طبيعي منزّه عن المطامع والمطامح يرغب بالحروب أو يدعو إليها، ولكنّها طبيعة المصالح التي تصل حد الإحتدام ولا تجد حلاً لأهوائها دون العنف والحرب، والتوقّع عادةً غير التمنّي ونادراً ما تتطابق التمنيات والتوقعات!. والمقدمات التي نراها حالياً في منطقتنا لا تبشّر إلاّ بحروب قادمة (والتي بدأت فعلا بنطاق محدود هنا وهناك)، هي التي سترسم وجه المنطقة لاحقاً وتحدّد خرائطه السياسية، وفق قاعدة الرابحين والخاسرين.. والتاريخ المعروف كله حتى اليوم لم يسلك سلوكاً سلمياً في حل مشاكله ونزاعاته، فهل سيقول التاريخ، اليوم، قولاً مختلفاً خالياً من العنف والحروب. وفي كل الأحوال تبقى الشعوب هي الخاسر الأكبر، والوقود الذي يحترق لتغذية ماكينات العنف والحرب، في ظلّ غياب وتراجع دورها السياسي المتمثّل بقوى سياسية مؤثرة تمثّل مصالحها بالرفاه والتقدم والسلام. هل سنحيا العام 2014 بتوجّس وترقّب ليمّر بخير وسلام أو...؟!